عندما تسوء الأوضاع في شركة ما ففي كثير من الأحيان تلجأ الإدارة إلى حيلة إخفاء الأمر، حرصًا من بعض المديرين على وظائفهم، وخوفًا من تأثر استثمارات حائزي الأسهم في السوق، بما يهدد الشركة بخسائر كبيرة، وربما الانهيار والإفلاس إذا تبين حجم الخسائر التي تكبدتها.
ويعرف هذا بظاهرة "أثر البطيخ" watermelon effect التي تظهر بعض الأحيان في الشركات المدرجة في سوق الأسهم حيث تبدو الشركة جيدة للغاية من الخارج ثم يظهر ما تخفيه الأمور، لينقلب تقييمها في السوق رأسًا على عقب وتنحدر قيمتها بشكل متسارع ليخسر المستثمرون ثرواتهم.
أموال غير موجودة
وظاهرة "أثر البطيخ" هي تعبير يُستخدم في عالم الأعمال، خصوصًا في تقييم الأداء داخل الشركات، لتصف حالة تبدو فيها مؤشرات الأداء الخارجية جيدة (خضراء)، بينما الواقع الداخلي مليء بالمشاكل (أحمر)، تماماً كما يبدو البطيخ أخضر من الخارج وأحمر من الداخل.
للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام
في يونيو 2020، شهدت الأسواق المالية الأوروبية واحدة من أكثر الفضائح المحاسبية صدمة في تاريخها الحديث، عندما أعلنت شركة، "وايركارد" عملاق التكنولوجيا المالية في ألمانيا، أن 1.9 مليار يورو من أموالها المزعومة "المحفوظة في حسابات مصرفية في الفلبين" لم تكن موجودة أصلًا.
قبل الفضيحة، كانت "وايركارد" تُعتبر قصة نجاح ألمانية نادرة في قطاع التكنولوجيا المالية، حيث تأسست عام 1999، وبدأت كمزود لخدمات الدفع الإلكتروني، ثم نمت بسرعة لتصبح واحدة من أكبر شركات التكنولوجيا المالية في أوروبا.
وفي عام 2018، أزاحت "وايركارد" إحدى الشركات من مؤشر "داكس 30" - وهو المؤشر الذي يضم أكبر 30 شركة ألمانية مدرجة في السوق- وبلغت قيمتها السوقية حينها 22.5 مليار يورو.
عندما أعلنت الشركة في 18 يونيو 2020 أنها لا تستطيع تتبع 1.9 مليار يورو من أموالها، انهار سهم الشركة بشكل حاد، ففي غضون أيام، فقد أكثر من 85% من قيمته، حيث تراجع من مستوى 104 يوروهات إلى أقل من 15 يورو، ثم واصل الهبوط حتى اقترب من الصفر بعد إعلان الإفلاس في 25 يونيو 2020.
ثروات تتبدد
هذا الانهيار لم يكن مجرد خسارة في القيمة السوقية، بل دمّر ثروات ما يقدر بألفي مستثمر ومؤسسة صغيرة استثمروا في الشركة، بل وأدى إلى خسائر بمئات الملايين لشركات كبرى مثل "سوفت بنك"، التي كانت قد استثمرت في "وايركارد" قبل أشهر فقط من الفضيحة.
يبدو أن ظاهر "البطيخ" في "وايركارد" كان أخضر، وباطنه أحمر بالفعل، ولكن هل كان من الممكن للمستثمر أن يلتقط إشارات حول إمكانية حدوث هذا الأمر أم أنه ما يعرف بالبجعة السوداء، والتي يمكن تلخيصها في سوء الحظ الذي قد يصيب بعض المتداولين ليس بسبب تقصير منهم ولكن لأزمة عامة عارضة أو لخداع محكم لا يمكن كشفه؟
يمكن القول إن الشكوك حول "وايركارد" بدأت منذ عام 2015، عندما نشرت صحيفة "فاينانشيال تايمز" تقارير استقصائية عن مخالفات محاسبية في عمليات الشركة في آسيا، وعلى الرغم من أن الشركة كانت تنفي باستمرار، بل وتهاجم الصحفيين والمبلغين عن المخالفات، إلا أن تلك الشكوك كانت قوية وأثارت تساؤلات حول مدى نزاهة ممارسات الشركة المالية.
توشيبا
قبل واقعة "واير كارد" بخمس سنوات، أي في صيف عام 2015، اهتزت الأوساط الاقتصادية اليابانية والعالمية على وقع فضيحة محاسبية مدوية طالت واحدة من أعرق شركات التكنولوجيا في آسيا، وهي "توشيبا"، عندما تم الكشف عن تضخيم أرباح تشغيلية بقيمة تجاوزت 1.2 مليار دولار على مدى سبع سنوات.
وبدأت المخالفات المحاسبية في عام 2008، في خضم الأزمة المالية العالمية، عندما تراجعت أرباح الشركة بشكل حاد. بدلاً من الاعتراف بالخسائر، لجأت الإدارة العليا إلى ممارسات محاسبية غير نظامية، شملت تسجيل أرباح مستقبلية في فترات حالية، وتأجيل تسجيل الخسائر، وتلاعباً في توقيت الرسوم والمصاريف.
وكشف التحقيق المستقل الذي أجرته لجنة خارجية أن ثلاثة رؤساء تنفيذيين تعاقبوا على قيادة توشيبا كانوا على علم بالممارسات، أو على الأقل مارسوا ضغوطًا شديدة على الموظفين لتحقيق أهداف ربحية صارمة، وهذه الأهداف لم تكن قابلة للتحقيق في كثير من الأحيان، ما دفع رؤساء الوحدات إلى اللجوء إلى التلاعب بالأرقام لتجنب وصمهم بالفشل.
في 21 يوليو 2015، أعلن الرئيس التنفيذي "هيساو تاناكا" استقالته، تبعه عدد من كبار التنفيذيين، وتراجعت أسهم الشركة بشكل حاد، حيث فقدت 51% من قيمتها في 6 أشهر، كما اضطرت الشركة إلى إعادة إصدار بياناتها المالية، وتقديم اعتذارات علنية للمستثمرين والرأي العام.
شركة القهوة
وفي إطار "أثر البطيخ" لابد من تذكر شركة "لوكين كوفي" الصينية التي تأسست في عام 2017، وسرعان ما حققت نموًا مذهلًا في السوق المحلي، حيث تبنّت نموذجًا توسعيًا عدوانيًا مكّنها من افتتاح مئات الفروع خلال فترة قصيرة.
وفي مايو 2019، وبعد أقل من عامين على تأسيسها، تمكنت الشركة من إدراج أسهمها في مؤشر "ناسداك"، ما اعتُبر إنجازًا استثنائيًا لشركة ناشئة في قطاع القهوة، حتى إن البعض في الولايات المتحدة بدأ يحذر من إنها ستنافس السلاسل الأمريكية الشهيرة مثل "ستاربكس".
وفي أبريل 2020، ظهرت الفضيحة المحاسبية التي كشفت عن تزوير واسع في الإيرادات، حيث كشفت شركة تدقيق محاسبية أن "لوكين كوفي" تضخّم مبيعاتها بشكل ممنهج. ورغم نفي الشركة في البداية، إلا أن تحقيقًا داخليًا أُطلق لاحقًا كشف أن الرئيس التنفيذي للعمليات ومسؤولين آخرين قاموا بتزوير مبيعات بقيمة تجاوزت 310 ملايين دولار خلال عام 2019 وحده.
في الثاني من أبريل 2020، أعلنت الشركة رسميًا عن اكتشاف التلاعب المالي. في اليوم نفسه، انهار سهم الشركة بنسبة 75%، من 26.20 دولار إلى 6.40 دولار، واستمر الانهيار خلال الأسابيع التالية، حتى تم شطب السهم من مؤشر "ناسداك" في 29 يونيو 2020، وتراجعت القيمة السوقية للشركة من حوالي 12 مليار دولار إلى أقل من ملياري دولار خلال أقل من شهرين.
تأثيرات متباينة
بعد الفضيحة، اضطرت الشركة إلى إعادة إصدار بياناتها المالية، حيث خفّضت إيراداتها لعام 2019 بنسبة 28%، ورفعت صافي خسائرها بنسبة 45%، كما فرضت عليها هيئة الأوراق المالية الأمريكية (SEC) غرامة قدرها 180 مليون دولار، بينما فرضت السلطات الصينية غرامة إضافية بقيمة 61 مليون يوان (حوالي 9.4 مليون دولار).
لم تقتصر آثار الفضيحة على "لوكين كوفي" وحدها، بل امتدت إلى الأسهم الصينية المدرجة في الولايات المتحدة، حيث بدأت موجة من الشكوك تحيط بجودة التقارير المالية لتلك الشركات، وشهد بعضها تقلبات عنيفة بسبب الشكوك التي أصبحت تحوم حولها.
كما دفعت الفضيحة الكونغرس الأمريكي إلى تسريع سن تشريعات تهدف إلى تشديد الرقابة على الشركات الأجنبية المدرجة في البورصات الأمريكية، خصوصًا تلك التي ترفض الخضوع لتدقيق أمريكي مباشر.
والشاهد أن الأثر على الأسهم للمدى الطويل بين الشركات الثلاثة، فبينما مازال سهم "وايركارد" يُتداول عند مستويات منخفضة للغاية لا تتعدى كسور مئوية من اليورو، فإن "لوكين كوفي" و"توشيبا" استغرقتا خمس سنوات كاملة للتعافي من الخسائر التي لحقت بقيمتهما السوقية، ربما لاعتماد الشركة الألمانية بصورة أكبر على الثقة في الإجراءات منها عن الأصول والمبيعات المباشرة.
وبالتأكيد تُعد فضيحة شركة "إنرون" واحدة من أكثر الأمثلة شهرة وتجسيدًا لظاهرة "أثر البطيخ"، فقد بدت الشركة، التي كانت تعمل في قطاع الطاقة، وكأنها نموذج للنجاح والنمو، حيث أظهرت تقاريرها المالية أرباحًا متصاعدة ومؤشرات أداء خضراء تبعث على الثقة.
ولكن خلف هذا المظهر الخارجي "الأخضر"، كانت الحقيقة مختلفة تمامًا. فقد كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" لاحقًا أن ما جرى لم يكن مجرد تلاعب محدود، بل "تزوير لغالبية التقارير وليس تعديلًا في بعضها".
ولتفادي الوقوع ضحية لظاهرة "أثر البطيخ" في سوق الأسهم، لا يكفي أن يعتمد المتداول على المؤشرات الظاهرة أو التقارير المالية المعلنة فقط، فكما أظهرت الحالات السابقة قد تكون الأرقام خضراء على الورق، بينما الواقع "أحمر" لذلك، يحتاج المتداول إلى تطوير أدواته بشكل أفضل.
أول ما يجب على المتداول فعله هو التحقق من جودة الأرباح، وليس فقط كميتها، فالشركات التي تُظهر نموًا سريعًا في الأرباح دون دعم واضح من التدفقات النقدية التشغيلية قد تكون في طريقها إلى التلاعب أو متلاعبة بالفعل، كما ينبغي على المتداول أن يُولي اهتمامًا خاصًا لـ "الإفصاحات غير المالية"، مثل استقالات متكررة في الإدارة العليا، أو تغييرات مفاجئة في المدققين الخارجيين، أو تأخر في إصدار القوائم المالية.
ويُنصح المتداول بمتابعة التحقيقات الصحفية والتقارير الاستقصائية، خاصة من مصادر مالية موثوقة، ولا يكتفي بما تقوله الشركة عن نفسها، بل يبحث عن إشارات من السوق، والمنافسين، والموردين، وحتى الموظفين السابقين إن أمكن، فالشركات التي تبدو مثالية من الخارج قد تُخفي في داخلها مشاكل هيكلية لا تظهر إلا بعد فوات الأوان.
المصادر: أرقام- بلومبرج- فاينانشيال تايمز- نيويورك تايمز- الايكونوميست.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة ارقام ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من ارقام ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.
0 تعليق